إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

حرية الاعلام في تونس

حرية الاعلام في تونس
المكاسب –الخلافات- الانتظارات
محمد حمدان
استاذ قانون الاعلام بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار
يمثل اصلاح  المنظومة الاعلامية  مجالا  لا يقل اهمية  عن اصلاح الهياكل الدستورية الاخرى للدولة ليكون الاعلام سلطة رابعة تساهم في بناء الديمقراطية , وتمثل حرية الاعلام  مكسبا من مكاسب الثورة التي تضمن للصحفي حقه في  الوصول الى المعلومة  وفي تبليغها وفي التعبير عن رايه  وهي في النهاية تضمن للمواطن  حقه في الاعلام  وفي المشاركة في الشأن العام  بكل دراية.ويمثل التنظيم القانوني للاعلام اطارا ضروريا لضمان هذه الحقوق  ولرفع القيود التي كانت تكبله . ولتأسيس نظام قانوني جديد لهذا القطاع
المكاسب ومواقع الجدل
وجاءت الثورة لتعيد للقانون مكانته ولحرية التعبير دورها الرئيسي في ارساء الديمقراطية, وبالرغم من الطابع الانتقالي والوقتي للحكومة فقد تم الغاء قيود اصدار الصحف منذ بداية الثورة وتم الترخيص لعديد الاذاعات والتلفزات بالبث دون انتظار نص قانوني جديد. ثم تم اصدار مرسومين في  2نوفمبر 2011 لتنظيم القطاع فجاء المرسوم عدد 115 لينظم بالخصوص الصحافة المكتوبة والمرسوم عدد116 لينظم الاعلام السمعي البصري, ويقوم النصان اساسا على ما جاء في المواثيق الدولية من مبادئ حرية الوصول الى المعلومة وحرية النشر وحرية التعبير عن الرأي وحق المواطن في الاعلام. وقد تم ادراج هذه المبائ في النصين المذكورين
وبالنسبة لتنظيم الاعلام السمعي البصري فقد نص المرسوم عدد 116  على احداث هيئة عليا مستقلة للاعلام والاتصال السمعي البصري وهي سلطة تعديلية مستقلة عن  السلط السياسية والادارية تتولى اسناد الرخص لاحداث المؤسسات  السمعية البصرية الخاصة وتشرف على مراقبة المضامين  الاعلامية  والاشراف على الاعلام السمعي البصري العمومي خصوصا خلال الحملات الانتخابية .وتتجسم استقلالية هذه الهيئة من خلال تركيبتها التعدية وتمثيليتها لمختلف الاطراف المعنية بالقطاع وتفرغ اعضائها الكلي لهذه المهمة وتحديد مدة عضويتهم للهيئة.
وبالرغم من هذه الجوانب الايجابية للنظام القانوني الاعلامي السمعي البصري الجديد فان  
المرسوم 116  بثير حاليا جدلا بين هيئة  اصلاح الاعلام والحكومة  وأثار انتقادات أكبر على عدة مستويات
-          فخلافا لعنوانه يقتصر المرسوم على إحداث هيئة عليا مستقلة للإعلام والاتصال السمعي البصري و لا يتعلق بتنظيم هذا الإعلام.  فالمرسوم ينظم الهيئة التعديلية و لكنه يتجاهل قطاع الإعلام السمعي البصري العمومي و تنظيمه. و بذلك لا تعتمد الهيئة كسلطة ادارية على نص قانوني ينظم القطاع و تتولى تنفيذه (مثلما كان الشأن بالنسبة للهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات ومثلما هو الشأن في فرنسا أو في بلد قريب منا هو المغرب ). وباعتبارها سلطة ادارية فان وظيفتها تتمثل في تنفيذ قوانين سابقة لها حتى تتميز قرارتها بالشرعية
- وعلى ضوء الصلاحيات الموكولة للهيئة بموجب المرسوم  116فانها لا تتناسب مع التمشي الديمقراطي   للبلاد . ويكرس المرسوم  تجميعا مفرطا للسلط لصالح الهيئة مما يجعل منها سلطة تشريعية و تنفيذية و قضائية في نفس الوقت. وفي الوقت الذي تعمل فيه الثورة على الفصل بين السلط   لتفادي الاحادية والتسلط فان الهيئة لاتبدو منسجمة في الصلاحيات الموكوله لها مع هذا التمشي الديمقراطي الجديد . وصلاحياتها تبدو  واسعة في مجال وضع كراس شروط للقطاع الخاص و في تنظيم الإشهار و في تنظيم عمليات قيس المشاهدة و الاستماع و في تنظيم الحملات الانتخابية عبر وسائل الإعلام السمعي البصري .و الهيئة كسلطة تنفيذية تتمتع بصلاحيات واسعة في مراقبة المؤسسات و البرامج السمعية البصرية .وهي تتولى كسلطة قضائية تتبع المخالفات و تسليط عديد العقوبات من تعطيل إنتاج أو بث البرامج إلى السحب الوقتي أو النهائي لرخص الاستغلال و من الحكم بخطايا مشددة على المخالفين إلى حجز المعدات و التجهيزات السمعية البصرية.
- وعلى المستوى التنظيمي، تبدو الهيئة العليا أداة للتعديل الذاتي أكثر مما هي هيئة تعديلية اي انها تمثل بالاساس الاطراف المهنية المعنية  اكثر مما تمثل الاطراف الاخرى والمتعددة المعنية  بالقطاع السمعي البصري. فضمن التسعة أعضاء الذين تتركب منهم، هناك ستة أعضاء تعينهم هيئات مهنية بما في ذلك القضاة .و يعين رئيس الدولة رئيس الهيئة في حين أن صلاحيات رئيس الدولة لاتزال محل نظر في الدستور الجديد. و تتولى السلطة التشريعية تعيين ممثلين لها. ولا ريب أن هناك أطرافا هامة لم  يقع تمثيلها في الهيئة و خصوصا منها مكونات المجتمع المدني االمجندة لخدمة الثقافة والتربية والمدافعة عن حقوق  المشاهد و المستمع

الاشكاليات العالقة
على ضوء ما تقدم يبدو أن المرسومين 115 و 116 يمثلان نقلة هامة في الإتجاه الديمقراطي و في رفع القيود و العقوبات و هما يحتاجان إلى التفعيل و إلى التعديل لكسب المزيد من النجاعة في تنظيم قطاع الإعلام و لكن الثورة أفرزت ممارسات إعلامية تتجاوز الإطار القانوني و تتعداه وما أنجز من اصلاح تشريعي لا يمثل الا جزءا بسيطا مما يجب انجازه
- فالصحف الكثيرة التي برزت للوجود لا تزال مهددة في وجودها لأنها لم تجد الإطار القانوني و التشجيعات المناسبة ولان الوسائل الاعلامية القديمة لا تزال مهيمنة على السوق ولان قطاع توزيع الصحف لا زال يخضع للاحتكار ولا زال يمثل عائقا كبيرا لرواج الصحف الجديدة. لذلك يتعين التفكير في وضع آليات قانونية لفك كل اصناف الاحتكارات القائمة في المجالات الاعلامية . ويتعين بالخصوص وضع اليات لدعم المؤسسات الاعلامية الجديدة حتى يتوفرلها تمثيل مختلف التيارات السياسية والفكرية وحتى يتمكن الصحفيون المحترفون من بعث صحف تخضع للمعايير الصحفية اكثر مما تخضع للاعتبارات السياسية وللاغراض التجارية. واذا ما نجح المشرع في رفع القيود الزجرية والوقائية المكبلة للاعلام فان التحدي  الاكبر يتمثل اليوم في  التقليص من العراقيل المالية التي تحول دون نمو صحافة جديدة تواكب الثورة وتلبي حق المواطن في الاعلام بكل حرية
- والى جانب الحوافز والمساعدات المالية والاعفاءات الجبائية التي يمكن اقرارها  لفائدة  المؤسسات الاعلامية عند اقتناء تجهيزاتها المكلفة وموادها الاولية المستوردة وعند تشغيلها للصحفيين الشبان  فمن المهم والمتأكد اقرار نظام شفاف لتوزيع الاشهار العمومي بين وسائل الاعلام  لان الصحف القديمة هي المستفيدة حتى الان من موارد  الاشهار مثلما هي مستفيدة من الاشتراكات الادارية في  اقتناء الصحف للموظفين . وقد سبق لمجلة الشغل ان ربطت  بين توزيع الاشهار العمومي وتشغيلية المؤسسة الاعلامية للصحفيين ويبدو هذا المعيار مهما يمكن ادراجه الى جانب معايير موضوعية اخرى لتقسيم المداخيل المتأتية عن الاشهار العمومي بكل موضوعية بين الصحف,
- ويطرح الاشهار في القنوات الاذاعية والتلفزية اشكاليات اكبر لانه  يتميز حتى الان بالفوضى التي تمس من حقوق المشاهد ومن مصالح المنتج التونسي ومن حظوظ الوسائل السمعية البصرية الخاصة الجديدة في اكتساح سوق الاعلان . لذلك يتأكد تنظيم حقوق وواجبات مختلف الاطراف المعنية بهذا الاشهار بما في ذلك المعلنون ومكاتب الدراسات المختصة في تحديد نسب الاستماع والمشاهدة
ويطرح الاعلام العمومي اشكاليات لم يقع حسمها قانونيا حتى الان بالنسبة للمؤسسات الاذاعية والتلفزية وبالنسبة لوكالة تونس افريقيا للانباء وكلك بالنسبة للصحافة المكتوبة العمومية. وترتبط هذه الاشكاليات بالخصوص بتحديد اليات تعيين رؤساء هذه المؤسسات وبطرق تنظيم وتسيير ورئاسة المصالح التحريرية فيها .وقد اثارت هذه القضايا جدلا وصل الى حد المشادات احيانا بين اصحاب المهنة والحكومة لتحديد مفهوم الاتصال العمومي وواجباته ولتمييزه عن الاعلام الحكومي الذي كان سائدا في الماضي ولتحديد مكانة وصلاحيات كل طرف في علاقتها بالمؤسسات الاعلامية العمومية, وتبدو تجارب مختلف الدول الديمقراطية متعددة ومتباينة في مجال التعامل مع الاعلام العمومي ولكنها هذه التجارب يمكن ان تفيدنا في الاهتداء الى النموذج الانسب لادارة المؤسسات الاعلامية العمومية
-ويمثل الاتصال العمومي مجالا يحتاج هو ايضا الى مراجعة قانونية لتمكين الادارة واجهزة الولة من التواصل الناجع مع الصحفيين ومع المواطن واثبتت التجارب الحالية لمكاتب العلاقات مع المواطن وللوكالة التونسية للاتصال الخارجي تحريفا لمهامها الاصلية وقصورا عن اداء وظائفها الاتصالية  للك يتعين مراجعة مختلف التشريعات التي تكبل انسياب المعلومة وتسمح بحضور ناجع للادارة في مختلف الحوارات الاعلامية لتمكين المواطن من المعلومة الادارية الصحيحة ولتواكب الاارة الطبيعة الديمقراطية للنظام الجديد
- ويبقى الإعلام الإلكتروني  اهم واخطر قطاع اعلامي يستوجب التنظيم على المستوى الوطني وعلى المستوى الدولي, واذا كانت الطبيعة العالمية لهذه الوسيلة الاعلامية الجديدة تأبى القيود فان الاعلام الالكتروني يحتاج إلى عناية خاصة نظرا للمكانة الهامة التي أصبح يحتلها في المشهد الإعلامي و للانفلاتات و التجاذبات التي يعيشها . لذلك يتعين التفكير في احداث اليات قانونية لتشجيع الاعلام الالكتروني الوطني الجاد ولتنمية صحافة مواطنة بناءة تخدم المجتمع .كما يبدو من المهم احداث اليات لتشجيع المجتمع المدني على القيام بوظيفة تعديلية في هذا القطاع لضمان اخلاقيات العمل  الاعلامي ولضمان تربية الناشئة على تعامل واع وناقد للاعلام
        و كل هذه القضايا تحتاج إلى حوار وطني واسع حتى تكون الخيارات مدروسة و واضحة و تأخذ بعين الإعتيار و مصالح مختلف الأطراف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق